عيد الأم

عيد الأم : هو اليوم الذي تكرم فيه الأمهات, وهو يختلف تاريخه من دولة لأخرى، فمثلا في العالم العربي يكون اليوم الأول من فصل الربيع أي يوم 21 مارس، أما النرويج تقيمه في   2 فبراير، أما في الأرجنتين فهو يوم 3 أكتوبر، وجنوب أفريقيا تحتفل به يوم 1 مايو. وفي الولايات المتحدة يكون الاحتفال في ثاني أحد من شهر مايو من كل عام. وفيه يتم عرض صور رسمها أطفال بين السادسة والرابعة عشرة من عمرهم وتدخل ضمن معرض متجول يحمل اسم "أمي" ويتم نقله كل 4 سنوات يتجول المعرض في عديد من الدول.

اول من فكر فى عيد للام في العالم العربي كان الصحفي المصري الراحل علي أمين – مؤسس جريدة أخبار اليوم مع اخيه مصطفي امين -حيث طرح علي أمين في مقاله اليومي ‘فكرة’ طرح فكرة الاحتفال بعيد الأم قائلا: ,,لماذا لانتفق علي يوم من أيام السنة نطلق عليه ‘يوم الأم’ ونجعله عيدا قوميا في بلادنا وبلاد الشرق..
وفي هذا اليوم يقدم الأبناء لأمهاتهم الهدايا الصغيرة ويرسلون للأمهات خطابات صغيرة يقولون فيها شكرا أو ربنا يخليك، لماذا لانشجع الأطفال في هذا اليوم أن يعامل كل منهم أمه كملكة فيمنعوها من العمل.. ويتولوا هم في هذا اليوم كل أعمالها المنزلية بدلا منها ولكن أي يوم في السنة نجعله ‘عيد الأم’؟ وبعد نشر المقال بجريدة ‘الأخبار’ اختار القراء تحديد يوم 21 مارس وهو بداية فصل الربيع ليكون عيدا للأم ليتماشي مع فصل العطاء والصفاء والخير. وقد نشأت الفكرة حين وردت إلى علي أمين حيث تلقي ذات يوم رسالة من أم تشكو له جفاء أولادها وسوء معاملتهم لها، ونكرانهم للجميل..
ثم حدث أن قامت إحدى الأمهات بزيارة للراحل مصطفى أمين في مكتبه وقصت عليه قصتها وكيف أنها ترمَّلت وأولادها صغار، ولم تتزوج، وكرست حياتها من اجل أولادها، وظلت ترعاهم حتى تخرجوا في الجامعة، وتزوجوا، واستقلوا بحياتهم، وانصرفوا عنها تماماً، فكتب مصطفى أمين وعلي أمين في عمودهما الشهير “فكرة” يقترحان تخصيص يوم للأم يكون بمثابة يوم لرد الجميل وتذكير بفضلها، وكان أن انهالت الخطابات عليهما تشجع الفكرة، واقترح البعض أن يخصص أسبوع للأم وليس مجرد يوم واحد، ورفض آخرون الفكرة بحجة أن كل أيام السنة للأم وليس يومًا واحدًا فقط، لكن أغلبية القراء وافقوا على فكرة تخصيص يوم واحد، وبعدها تقررأن يكون يوم 21 مارس ليكون عيدًا للأم، وهو أول أيام فصل الربيع ؛ ليكون رمزًا للتفتح والصفاء والمشاعر الجميلة.كتب عن الأم الشاعر احمد االهمامى:
الله يخليكي ليا يا سـت الكـل يا أمي مين غيرك حملني ورعاني وشال سنين هـــمي مين اللي قال حبل المشيمه اتقطـع بينا دا أنا لـسه مربوط بيكي وحبك بيجري في دمي وآه.
وكان أول احتفال احتفل به المصريين بأمهاتهم.. أول عيد أم في 21 مارس سنة 1956م.. وهكذا خرجت الفكرة من مصر إلى بلاد الشرق الأوســط الأخرى.. وقد اقترح البعض في وقت من الأوقات تسمية عيد الأم بعيد الأسرة ليكون تكريمًا للأب أيضًا، لكن هذه الفكرة لم تلقى قبولا كبيرا وان كان لا احد ينكر دور الاب العظيم فى رعايه الاسرة بما فيهم الام وهناك نماذج عظيمه لاباء فعلوا الكثير من اجل اسرهم – ويجب ان ننتهز الفرصة من الان ونستعد لهذا العيد بأن ، نراعى امهاتنا ونتعامل معهم باللين ونحيطهم برعايتنا وان نغرس فى اولادنا القيمه الحقيقيه للام كما علمنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وكما وصانا الله عز وجل بالوالدين فى كتابه الكريم – كما ادعوكم للدعاء لامهاتنا الذين رحلوا عن دنيانا ان يتغمدهم الله برحمته – كل سنه وكل ام بخير.

.

حتى ترتاح نفسُك

بسم الله الرحمن الرحيم

حتى ترتاح نفسُك، ويهدأ ضميرك، كن واسع الصدر، فأعقل الناس وأسعدهم هم أعذرهم للناس، وأبعدهم عن العقل والحكمة هم أسرعهم لوماً وأقلُّهم تحقُّقاً وتثبُّتاً فيما صدر عنهم.

ما أجمل أن يعذر بعضنا بعضاً، فأنت لا تعلم عن ظروف الآخرين الغائبة عنك، ولا تدري ما الذي قاده إلى ذلك التصرف الذي لم يعجبك.

فعندما تجد من أحد موقفاً لا يليق فعله أو خطأ لا ينبغي الوقوع فيه، فلا تنسى أنه قد يكون وراء ذلك أسبابٌ لم تدركها، وأمورٌ اضطرته إلى هذا التصرف.

ويزداد هذا أهمية حينما لا تعرف عن إنسان إلا كل خير، ورأيتَ تصرفاً يناقض ما تعرف عنه، فإن استطعت أن تسمع منه وتعرف ماذا حصل فعلتَ ذلك، وإلا فالتمس الأعذار له.

حين تكون النفسُ سليمةً جميلةً ترى الأشياء بصورتها الإيجابية، وتصنع من الليمون الحامض شراباً حلواً، وتجعل من المِحَن مِنَحَاً وعطايا وفوائد عظيمة.

حين يكون الصدر واسعاً يتسع المكان الضيق لعدد كبير من الناس، أما إذا كان الصدر ضيقاً فإن أوسع المساحات تضيق على أقل عدد منهم.
لَعَمْرُكَ مَا ضَاقَتْ بلاَدٌ بأهْلِهَا ... وَلكِنَّ أخْلاقَ الرجَالِ تَضِيقُ

حين يكون المعدنُ أصيلاً، والقلبُ صافياً سليماً، فلا تنتظر من صاحبه إلا خيراً عميماً، وفضلاً جسيماً ..

وحين يكون الأصلُ الشريفُ معدوماً، والباطنُ خواءً فارغاً مذموماً، والإحساسُ بالجمال مفقوداً، فلا تنتظر إلا شراً مَهِيناً وضلالاً مبيناً.

لا تَلُمْ صديقَك على تقصيره معك، فلستَ الوحيد في هذا الكون الفسيح، ولست الوحيد في قلبه، فقد يكون عنده من الأصدقاء والأحباب من هم أكثر محبة له منك، وهو أشد حباً لهم من محبته لك ـ مع كامل الاحترام والتقدير ـ ، ومع هذا لا يلتقي بهم إلا نادراً، فالناس عندهم ما يشغلهم من أعمال ومهمات، وأهل وأصدقاء، فلا تتعلق بإنسان تعلقاً شديداً يجعلك لا تستطيع العيش بدونه.

ومَا كُلُّ مَنْ تَهْوَاهُ يَهواكَ قلبُهُ ... وَلا كلُّ مَنْ صَافَيْتَه لَكَ قَدْ صَفَا
فَفِي النَّاسِ أبْدَالٌ وَفي التَّرْكِ رَاحةٌ ... وفي القلبِ صبرٌ للحبيبِ ولو جفا

فلا تجعل سعادتك مرهونة لشخص أو لعمل أو متاع، فسعادتك في نفسك وفي نظرتك للأشياء من حولك، فلا تعلقها بأمر خارجٍ عنها.

فالنظرة السليمة والإيجابية للأشياء هي طريقك إلى السعادة، فمثلاً حينما تنظر إلى نقد الناس لك على أنه طريق للترقي نحو الأفضل، فهذا يجعلك تسعد بالنقد وتطلبه من أهله.

حتى النقد الهدام الذي يقصد به التحطيم والتحقير، يمكن أن تسعد به عندما تعرف أنه لا تُرمَى إلا الشجرة المثمرة، وأنه لا يُعرَف طِيب العود إلا باشتعال النار فيه، وأن النقد ضريبة طبيعية لكلِّ من يعمل شيئاً، فتجعل ذلك محفزاً لك على العمل والإبداع.

فهناك أناس لا يخطؤون؛ لأنهم لا يعملون شيئاً، فهذا الذي لا يعرف إلا أن ينقد الناس، لو كان مكان مَنْ ينتقده فقد يخطئ أكثر من أخطائه بكثير، فعلى من يَنتقِد أن يكون واقعياً، منصفاً.

تأكد أنه لا يمكن لكلمة قالها أحدهم فيك، أو لموقف حصل، أن يغير هذا من الحقيقة والواقع شيئاً، فآراء الناس ليست حقائق قطعية، وإنما هي وجهات نظر تحتمل الصواب والخطأ، فلا تبالغ وتهتم كثيراً في الرد على من أساء إليك بشيء، فدع أفعالك تكذب ما قال، واترك الناس يحكمون بما يرونه.

إذا أساء إليك أحدٌ فلا تعامله بما يستحق أو بمثل ما يعاملك، بل بما ترضاه لنفسك وبما يعبر عن أخلاقك ومبادئك، فكما قال الشيخ سلمان العودة: (أنت لستَ مسؤولاً عما يعمله الآخرون تجاهك، بل عمَّا تعمله أنت تجاه الآخرين).

فبالتسامح وسعة الصدر، تحسن إلى نفسك وتسعدها قبل أن تحسن إلى غيرك.
وصلَّى اللهُ على سيِّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً.

ندوة عن "اللغة العربية.. الواقع والأمل"

أدار الندوة وأعدها للنشر/ محمد الغباشي

مقدمة:
بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على خير البشر, الذي انشق له القمر, وسلم عليه الحجر, ما طلعت الشمس على أشرق منه وجهًا ولا أنور, فاللهم صلي عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.. أما بعد..
فإن اللغة العربية من أسمى اللغات التي ظهرت في تاريخ البشرية, بل هي أسماها على الإطلاق, وذلك لما فيها من خصائص ومميزات حباها الله عز وجل بها واصطفاها واختارها لتكون وعاءً لأفضل كتبه سبحانه وتعالى..
وفي هذا اللقاء المبارك يسعدنا ويشرفنا أن يكون معنا الأستاذ الدكتور حمدي فتوح والي الحاصل على درجة الدكتوراه في الأدب العربي, والأستاذ الدكتور أبو الفتوح حسن عقل أستاذ النقد والأدب العربي بكلية التربية جامعة المنصورة.

- كيف هي مكانة اللغة العربية في الإسلام؟! وهل الحديث عن اللغة العربية يُعد نوعًا من أنواع التعصب لها أم أن لها مكانة عظيمة أعلى من غيرها من اللغات الأخرى؟!

د/ حمدي والي: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.. اللغات عمومًا على الأرض كلها تحظى بعناية أصحابها, وتحتل في حياتهم المكانة الكبرى والعظمى, واللغات هي وسيلة التخاطب والتفاهم, لا يستغني عنها أحد, واللغة العربية هي عندنا كذلك, لكنها تزيد على ذلك أنها عبادة, فممارسة اللغة عبادة, والتعامل بهذه اللغة إحياءً لأصولها وحرصا على سلامتها مع استشعار هذه النية نوع من أعظم العبادات, وتأتي أهمية اللغة العربية - وأعظم ما يجعلها مهمة في حياتنا - أنها لغة القرآن الكريم, وهي لغة الإسلام, وترتبط اللغة العربية في حياة المسلمين جميعًا بأداء الشعائر, فهي لغة تستمد عظمتها من مكانة القرآن والإسلام, والقاعدة الشرعية تقول: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب, ولما كانت قراءة القرآن واجبة والتعرف على أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم واجبة, والتعرف على قواعد العبادات والعقائد أمورًا واجبة, وكان لا يمكن التوصل إليها إلا باللغة العربية - كانت اللغة العربية لها درجة الوجوب نفسها التي تجب لكتاب الله تعالى وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم, من هنا كانت اللغة العربية تمثل لهذه الأمة هويتها, وتمثل لها استمراريتها في الحياة, وتمثل كذلك عمقها الإيماني وعمقها الروحي, وارتباطها التاريخي, فأنت لا تستطيع أن تميز أو أن تفصل بين الأمة العربية وبين اللغة العربية إلا إذا أمكنك أن تفصل بين الروح والجسد, فهي لغة تمتزج بكيان الأمة, وتستمد الأمة منها سيادتها وتميزها وهويتها وعمقها الحضاري.

- بمعنى أنها كما تستمد سيادتها وعزتها وهويتها من دينها فإنها تستمد ذلك كله من لغتها؛ لأن اللغة هي أصل الدين أو كما يقال: إن الدين لم يُصَغ إلا باللغة العربية؟!

نعم بالضبط, وإذن لا أقول: إن اللغة العربية مهمة للتخاطب وفقط, فذلك أمر تشترك فيه جميع اللغات, لكن اللغة العربية شعيرة تمارس بروح الشعيرة, وتُطلب بروح الفريضة.

- وهذا ما يميزها عن بقية اللغات؟!

نعم, ولهذا نستطيع أن نقول: إن اللغة العربية باقية ما بقي هذا الدين.. باقية ما بقي رجل يقول: لا إله إلا الله.

- فكما تعهد الله سبحانه وتعالى بحفظ كتابه الكريم فقد تعهد بحفظ اللغة!!

بالضبط, لأن اللغة هي وعاء القرآن التي شملت القرآن والتي وعت أسراره وقواعده وأحكامه.
د/ أبو الفتوح حسن عقل: الحمد لله رب العالمين, وصلاة وسلامًا على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن والاه.. فتح الله على الشيخ الجليل, ولكننا نريد أن نضيف على ما تفضل به, فإنه وكما تفضل سيادته يكفي أن الله عز وجل قد اختارها وعاءً للقرآن, للتعبير عن أدق معاني الذكر الحكيم, وحينما نزل القرآن بلغة العرب كانت اللغة العربية في قريش قد وصلت إلى درجة النضج والاكتمال, وكانت في ذلك الوقت في أبهى أثوابها, نظرًا لأن لهجة قريش هي اختيار موفق من لهجات ومفردات وأساليب العرب الذين كانوا يفدون إلى مكة في كل عام للحج وحضور أسواقها, كانت قريش تنتقي من هذه اللهجات معجمها اللغوي, وفي الوقت الذي نزل فيه القرآن الكريم كانت لهجة قريش وكانت اللغة العربية في قريش قد وصلت إلى أبهى درجات الاكتمال.

- كما أن القرآن هو أعظم الكتب فقد اختار الله عز وجل له أعظم وعاء, وهي اللغة العربية بأفصح لهجاتها.

نعم بالتأكيد, ولذلك ليس بعجيب أن يثني رب العزة عز وجل على القرآن الكريم لكونه عربيًا في أكثر من موضع, حيث يقول مثلاً في سورة يوسف: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف:2], وكأن يقول في سورة فصلت أيضًا: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [فصلت:3], وكأن يقول في سورة الكهف: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا} [الكهف:1], أساليبه ولغته لا اعوجاج فيها, بل تمثل قمة الاستقامة وقمة الفصاحة والبلاغة والبيان, وقوله تعالى: {قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} [الزمر:28] أي لا اعوجاج فيه. والنبي صلى الله عليه وسلم يمثل أيضًا بالنسبة للغة العربية قمة القمم في الأدب بوجه عام وفي البيان والفصاحة بوجه خاص, وكان عليه الصلاة والسلام الذوّاقة الأول للغة العرب حينما يقول: "إن من البيان لسحرًا وإن من الشعر لحكمة" فلا يقول ذلك إلا الذي يستعذب ويستمتع باللغة ويحسن رؤيتها, بل ويتمتع بها كذلك, ولعلكم تذكرون يوم أن دخل عليه كعب بن زهير وهو يريد أن يعلن إسلامه في المسجد النبوي المبارك, وقد أعد للحصول على العفو قصيدة, فإعداده لهذه القصيدة - وإن كانت مؤسسة على مدح الرسول عليه الصلاة والسلام - يدل دلالة قطعية على أنه يريد أن يقدم للنبي صلى الله عليه وسلم أحسن ما يريد الاستماع إليه, وبالفعل حصل على العفو الذي كان يريد, بعد أن قدم قصيدته في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم وفي مدح الإسلام وبيان عظمته ومنزلته, وفي النهاية لم يجد الرسول صلى الله عليه وسلم أحسن مكافأة إلا أن يخلع عليه بردته الشريفة صلى الله عليه وسلم, وصارت بعد ذلك شرفًا عظيمًا لكعب بن زهير, ونالت قصيدته أعلى منزلة في الشعر العربي, كل هذا يؤكد عظمة هذه اللغة واهتمام الإسلام بها والثناء عليها.
وإن اللغة العربية لغة أهل الجنة.. اللغة العربية لغة الدعوة, وأريد أن أؤكد هذا المعنى, لا يوفق في الدعوة إلى الله من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها إلا الذين تمكنوا منها وملكوا ناصيتها وأحسنوا التخاطب بها, وسيدنا موسى عليه السلام حينما أُمر من قبل رب العزة عز وجل أن يتوجه إلى فرعون وملئه طلب منه أن يزوده بهارون؛ لأنه كان أفصح منه لسانًا: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ} [القصص:34].
اللغة العربية كما أشار الأستاذ لغة عبادة, وكل من يبذل فيها جهدًا ويقبل عليها ويعلمها للناس يبذل جهدًا في العبادة, يقرب الناس من ربهم, كلما ازداد الإنسان قربًا من اللغة وفهمًا لها وأساليبها وأحكامها ازداد قربًا في ذات الوقت من كتاب رب العالمين وازداد فهمًا للقرآن الكريم وازداد فهمًا للسنة المباركة, وإلى جوار ذلك فإنها وسيلته للوصول إلى تراث الأمة الخالد العظيم الممثل فيما خلفته الأمة من صنوف العلم والمعرفة.

- اللغة العربية من أهم أدوات التواصل الفكري والثقافي بين عناصر المجتمع المختلفة, كما أنها إحدى أهم وسائل الأمن القومي. كيف تلعب اللغة العربية دورًا في توحيد الأمة؟! خاصة في خضم الأخطار التي تتهددها وتنصب عليها من كل جانب.

د/ حمدي والي: في الحقيقة لا أجد أجمع ولا أجمل مع الإفادة والدقة من تعبير الأستاذ العقاد عليه رحمة الله عندما وصف اللغة العربية بأنها "اللغة الشاعرة", وزاد فوصفها أيضًا فقال: اللغة العربية هي "الهوية الواقية", فالأصل في الناس أنهم يجتهدون ليقوا هويتهم حتى لا تضيع, لكن الأمر مع اللغة العربية يختلف, فاللغة العربية في هذا المقام هي التي تحمي أصحابها, هي الدرع والحصن الذي يذود عن هذه الأمة ويضمن كمالها ودوامها وثباتها واستقرارها.
توحيد لسان التخاطب بين أبناء الأمة يفتح مجالاً واسعًا لتوحيد المساحة الذهنية وتوحيد الفكر والقدرة على استنباط ما لدى الآخر, فالجميع يعيشون في كيان واحد, ويتعاملون بلغة واحدة, ويستشعرون جماليات واحدة, وينفعلون تذوقًا وجمالاً لما يسمعون, واللغة قادرة على أن ترفع أذواق الأمة جميعًا, وقادرة على أن تحمي أذواقنا وأسماعنا من أن نسمع ما يخدش الحياء, فلا تجد لغة عُنيت بالبعد الإنساني والبعد الذوقي كما تجد اللغة العربية, هناك أشياء لا يستطيع الإنسان أن يتخاطب بها رغم ضروريتا في حياته, فما يقع مثلاً للإنسان من الأمور الزوجية, والعلاقات الشخصية, وما يفعله الإنسان أحيانًا من أموره الضرورية فيريد أن يعبر عنها, فتأتي اللغة العربية لتقدم له ألفاظًا وبدائل تؤدي المطلوب وتحفظ الذوق وتمتع وتتكلم في أحرج المواقف وأدقها, فهي قادرة على أن ترفع الحس والذوق ليحتفظ الجميع بالذوقيات والأدبيات والمعاني بطريقة نظيفة.
ففي سورة يوسف, والموقف الدال على أعلى ما يمكن أن يصل إليه الحس البشري من أمور فطرية, يعبر عنه القرآن دون أن تستشعر في لحظة واحدة منذ بدأت القصة إلى أن أنهاها - وهي تبلغ الذروة في التعبير عما يطلب فطريًا بين الرجل والمرأة - لا تجد أبدًا أن هناك كلمة جرحت الذوق أو أسفّت أو أشعرت الإنسان بالحرج عن أن يتردد أن يقولها, ولكن الآيات تردد ونشعر عند سماعها بالمتعة والجمال.
فضلاً عن ذلك فإن اللغة العربية تشعر المتلقي دائمًا بأهميته, فعندما أحدّث المتلقّي باللغة العربية فأنا أرفع مقامه وأعليه, لأن اللغة العربية في تاريخها كله لغة رفعة.

- وعلى الرغم من ذلك فإن كثيرين يزعجهم التخاطب باللغة العربية, وبعض الناس يستشعر شيئًا من التكبر والتعالي من المخاطِب له بهذه الطريقة, ويتهمه بأن عنده شيئًا من الإعجاب بذاته أو الترفع عن الآخرين.
د/ حمدي والي: وهذا ملمح طيب وملاحظة جيدة, فنحن كأهل اختصاص, ويشاركني في ذلك الدكتور أبو الفتوح, بالفعل هناك بعض المواقف يكون فيها الأداء فيه تصنع وتكلف, يكون منشؤه عدم القدرة على سيولة اللغة والتمكن من استخدامها والتعامل بها بيسر, فاللغة أيسر من ذلك بكثير, وأنا عندما أحدث الرجل الذي أمامي أختار اللغة التي تناسبه, وفي اللغة بدائل, وفيها مستويات, ليس ضروريًا أن أتحدث الفصحى فلأتحدث الفصيحة.

- اللغة التي نتحدث بها مثلاً في حوارنا هذا لغة سهلة ويسيرة, تستقبلها الأسماع بكل بساطة وسهولة.

أعتقد أن الجميع بكل المستويات يستسيغون كلامنا ولا يجدون صعوبة, فنحن نتحدث معهم باللغة العربية, ولا نقصد هنا أن ندرّس له قواعدها, إنما نقدم له اللغة كما قدمها القرآن, والجميع يقرءون القرآن ويستمعون إليه, وجميع طبقات الأمة في تاريخها كله وبكل مستوياتها يستمعون إلى القرآن ويتلذذون؛ لأنهم يفهمون ويعون جيدًا ما يريده القرآن وما تدل عليه دلالة الكلمات في اللغة العربية.

- هل بإمكان اللغة العربية أن تسهم في تقوية الأمة؟!
د/ أبو الفتوح عقل: نعم.. اللغة العربية هي التي جمعت أمة العرب قديمًا وفي العصر الحديث, وهي التي أوجدت قنوات التخاطب وقنوات العلاقات بين أبناء العروبة, فعندما يوفد أبناء مصر على وجه الخصوص وأبناء العروبة من دول أخرى, عندما يوفد هؤلاء وهؤلاء لأداء رسالة التدريس في شتى بقاع الوطن العربي, ويقدمون خالص جهودهم للناشئة من أبناء العرب, أليس ذلك نوعًا من أنواع التواصل الذي كان سببًا في إقامة علاقات ثقافية على أعلى المستويات, الذي سهّل لأبناء العروبة من المحيط إلى الخليج أن يتعارفوا وأن يتعاونوا فيما بينهم, وأن تقوم بينهم أوثق العلاقات, والذي سهّل لي أن أبعث مثلاً إلى دولة الإمارات وغيرها من الدول العربية لغتي العربية التي حرصت عليها وأخلصت لها منذ نعومة أظافري, فمن الفرقة الثانية الإعدادية, فكنت إذا سئلت: ماذا تريد أن تدرس؟! وإلى أية كلية تريد أن تنتمي؟! قلت: كلية اللغة العربية, وظللت على ذلك العهد حتى جاءت الاستمارة وملأتها بالرغبات الثلاث: اللغة العربية ثم اللغة العربية ثم الشريعة والقانون, هذه اللغة العظيمة لها عظيم الأثر في حياتي شخصيًا, وقد تفضل الشيخ الجليل فقال ملمحًا جميلاً جدًا, حينما قال: أنت ترفع من قدر المخاطب حينما تتحدث إليه باللغة العربية, في ذات الوقت ينبغي أن نقول: اللغة العربية جزء لا يتجزأ من كيان وهوية الشخص نفسه, القادر على الإفصاح عما يجول في نفسه, القادر على تقديم نفسه للناس, الذي يحسن التعبير ويختصر الوقت في أوجز عبارة, لغة العروبة يا سيدي كانت سببًا فعلاً قويًا من أسباب التواصل بين أبناء الأمة, ليس أبناء الأمة العربية وفقط بل بين أبناء الأمة الإسلامية كذلك.
هناك نقطة مهمة عندما ذكر الدكتور سورة يوسف عليه السلام, أرجو أن تسمع وأن تقف على واحدة من عظائم القرآن الكريم وأساليب العربية التي تحسم مواقف كثيرة من مواقف الاختلاف حينما يختلف الناس, في سورة يوسف عليه السلام امرأة العزيز راودته عن نفسه, وظهر له برهان, وهمت به وهم بها, وقال المفسرون في قضية الهمّ ما قالوا, وتعددت آراؤهم في الهم, أهو همّ كما يهمّ الرجل بأهله؟! أهو همّ شهوة؟! أهو همّ كما يهم الصائم بالماء لكن يمنعه أنه صائم ويمنعه مراقبة رب العالمين سبحانه وتعالى؟!! أم لم يحدث همّ مطلقًا؟!! تلك هي الإجابة الصحيحة التي نميل إليها بناءً على حتمية قوانين أساليب اللغة العربية؛ لأن التعبير كالآتي: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ} [يوسف:24], أين جواب لولا؟! جوابها محذوف نقدره من الكلام السابق عليها إذا لم يُذكر, فيكون التقدير: "ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه لهمَّ بها", وحضراتكم تعلمون أن "لولا" حرف امتناع لوجود, أي امتناع الجواب لوجود الشرط, كأن نقول مثلاً: لولا وجود المدارس والتعليم والجامعات لكنا في ظلام, فنحن لسنا في ظلام لأن الشرط موجود, إذن الجواب ممتنع, وبناءً على ذلك لم يقع من يوسف همّ مطلقًا, وعصمه الله عن ذلك, والدليل أيضًا قوله تعالى: {قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ} [يوسف: 32], أي تأبى عليّ إباءً شديدًا وطلب العصمة من رب العالمين سبحانه وتعالى.
أساليب اللغة تساعد جدًا في فهم القرآن الكريم, وتساعد في حسم أمور يقع فيها خلاف بين أهل الاختصاص حتى بين المفسرين, هذه واحدة فقط والتدليل على ذلك كثير وأموره عظيمة في لغة العرب وفي القرآن الكريم.

- تواجه اللغة العربية عقبات كثيرة في سبيل ترسيخها في أذهان أبنائها, فبصفتكما متخصصيْن في تدريس اللغة العربية للطلبة المتخصصين, كيف هو واقع اللغة العربية بين طلابها, لاسيما المتخصصين فيها؟!!

ربما يكون الكلام عن الواقع أقل من الواقع, فإن الواقع ملموس, يستطيع من ينظر إلى حال اللغة العربية بين أبنائها وفي أروقة المدارس وفي مناهج التعليم يستطيع بوضوح أن يلمس هذا الأمر, وفي الحقيقة هذا الهاجس أو هذا الهم الذي نلمسه واقعًا للغة العربية في مدارسنا لي عليه ملاحظات؛ الملاحظة الأولى: أن الشاب الذي التحق بأقسام اللغة العربية مدرسًا ربما لم يتوفر له من الحرص والحب والميل ما توفر لأستاذنا الشيخ عندما كان يكتب استمارة الرغبات.

- تقصد مكتب التنسيق للقبول بالجامعات؟!

نعم.. مجيء الشاب إلى كلية الآداب أو دار العلوم أو اللغة العربية لأن مجموعه لا يقوى على أكثر من ذلك, أو لأن قدره أن يدخل هذه الكلية عامل خطير جدًا في توصيفه أو اختياره لفرع اللغة العربية, عندما يختار هذا الاختصاص بناءً على قَدَره في أنه لا يملك أكثر من ذلك فسيظل يتعامل مع واقع يتمنى لو انتهى أو أُزيل, فإذا قُدر عليه أن هذا الواقع لن يزول وإنما سيكون هو عيشه وعمله ووظيفته ومنها يأكل ومنها يعيش فسوف يأخذ منحى آخر, إما أن يتعايش مع قدره فيحبه, فيتعمق في فهم اللغة والاطلاع عليها والحرص على مصادرها والتذوق لأساليبها, وهنا تجد النماذج الفذة التي نلمسها في مدارسنا بين بعض المدرسين, وإما أن يظل صاحب وظيفة فقط يريد أن يؤدي العبء الذي عليه, ومثل هذا لن يتحول في يوم من الأيام إلى صاحب رسالة, سيظل صاحب وظيفة إلى أن يملك الهمّ, وإلى أن يستشعر قداسة اللغة, وإلى أن يمتلك أدوات الذوق والجماليات, فيهرب من الدنيا كلها إلى اللغة ولا يهرب من اللغة إلى الشارع, سيجد أن حياته ومتعته ولذته في كثرة ما يأرز إلى اللغة ويعود إليها.

- بمعنى أننا نبعد بالسبب مرة أخرى عن الطالب, أو بمعنى آخر هو مسئول وفي الوقت نفسه هو غير مسئول؟!

نعم.. وفي هذه النقطة قدرًا جاء نصيبه هكذا, لكن يستطيع أن يتعايش مع اللغة ويتذوقها وأن يجد حبه ومتعته في هذه اللغة, ولكن هناك أمرًا مهمًا جدًا في الحقيقة, إذا كان هذا الشعور جاء في حياة الطالب في سن الثامنة عشرة أو قرابة العشرين, فإن هناك أمرًا آخر جعل الطالب يشعر مثل هذا الشعور نحو اللغة العربية, عندما تزاحَم اللغة العربية في صفوف الحضانة بلغة أجنبية يشعر الطفل الصغير عند بداية تشكيله بأنه مزاحم بلغة أخرى, وربما وجد من الوسائل والتشجيع عليها أكثر مما يجد على لغته العربية.

- نعم.. هناك شغف غير عادي في هذه الأيام باللغة الإنجليزية وحروفها, سواء من الشباب أو الأطفال أو غيرهم, فمثلاً بعض القنوات الفضائية – حتى ولو كانت عربية – تتخذ لها شعارًا من بعض الحروف الإنجليزية, وملابس الشباب أيضًا مكتوب عليها بالحروف الإنجليزية دون معرفة معاني بعض هذه الكلمات, والتي قد تحتوي بعضها على نوع من الشتائم أو السباب للابسها, ككلمةCrazy التي تكتب على بعض الملابس والتي تعني "مجنون", وعلى العكس لم نرَ من يكتب كلمة باللغة العربية مفتخرًا بذلك أو سعيدًا بحمله لهذه اللغة. فما السبب في ذلك؟!

د/ حمدي والي: كما أشرت حضرتك, فاللغة العربية ترتبط بالهوية وترتبط بالعزة وترتبط باستشعار السيادة والتميز والذاتية, المعتز بلغته يأبى كل الإباء أن تزاحم وأن يؤخذ منها إلى غيرها, وأن يُعلي غيرها عليها إلا إذا كان يتنصل من نسبته إلى أهله, وهذا لا يقع من الأحرار, التزاحم الشديد الذي أصبح يزاحم اللغة العربية في الشوارع والأزياء وعناوين المحلات وأسماء الشوارع في الغالب وفي لغة التخاطب والمستشفيات والمناهج وهذه الأشياء جميعًا, عندما يستشعر الإنسان معنى الاعتزاز يشعر بالألم وينقبض ويشعر بنوع من الخذلان والانتكاس؛ لأن الإنسان عندما يمارس هذه الأشياء ظنًا منه أنه يلتمس سيادة صاحب اللغة ويلتمس العزة من أصحابها ويلتمس التزيد والترفع والمهابة والمكانة عندما يخلط كلامه ببعض الحروف الإنجليزية, بل إنك قد تجد بعضهم يتصنّع البحث عن البديل العربي وربما لا يجده ليشعرك أن الأصل عنده أنه إنجليزي.

- والأمر مشاهد بصورة مقززة جدا!!

جدًا.. وتجده ربما يخلط كلامه ببعض الألفاظ الأجنبية ليشعر من أمامه أنه يتحدث بلغة السادة, ولو علم أن هذا السيد هو المستعمر, وهو الذي أذله واستعبده واستباح ماله وعرضه وبلده ووطنه, بل ولا يزال يمارس عليه أنواع الاستعباد, بل إني أسأله بالله: هل يجد واحدًا من هؤلاء في بلادهم يتزيد وجاهةً بالتحدث باللغة العربية؟!! هل يجد واحدًا يسمح لنفسه أن يتحدث في أروقة الجامعة أو في مجالات العمل أو في الشوارع أو في مستشفاه أو في أي مرفق ولو كان ضيقًا جدًا أن يتعامل باللغة العربية يتزيد بها وجاهةً وهو إنجليزي أو فرنسي.

- أستاذنا الدكتور أبو الفتوح عقل.. ماذا عن تجربتك كموجه للغة العربية في المعاهد الأزهرية؟!

قضية اللغة العربية في المدارس ينبغي أن لا نمر عليها مرور الكرام, اللغة العربية في المدارس وكذلك في المعاهد الأزهرية, وأنا عملت هنا وعملت هناك, ولنا تجربة في التوجيه أيضًا ليست بالهينة في إحدى الدول العربية, على وجه التحديد في دولة الإمارات, اللغة العربية تعيش مأساة حقيقية بين أبنائها في المدارس, فمن كل عشرة يمكنك الحصول على واحد أو اثنين يتحدثان باللغة العربية بطريقة صحيحة وبثقة وتمكّن. ونود أن نتوقف طويلاً مع وضع اللغة العربية في المداس, وهذا مكشوف عنه في وسائل الإعلام.
والمجتمع يعرف أيضًا لكن الواقع داخل المدرسة فعلاً واقع مأساوي, وهذا عايشناه بوصفنا موجهين, وعايشناه كذلك بوصفنا مدرسين, وإخواننا يعملون إلى جوارنا في شتى التخصصات فضلاً عن أساتذة اللغة العربية, كثيرون منهم لا يحسنون أداء الدرس ولا شرحه باللغة العربية الصحيحة من أهل الاختصاص, والإدارة المدرسية كذلك ليست معنية بالقدر الكافي بهذه القضية, وكل الذي يعني هؤلاء وهؤلاء أن تكون نسبة النجاح معقولة, وأن تثبت هذه اللغة في أوراق, وأن تكون كل الأمور على ما يرام في نهاية العام, أما الممارسة الفعلية للغة العربية والأنشطة الدرسية داخل الحصة نفسها ففيها قصور كبير.

- حتى أن موجه اللغة العربية نفسه انشغل أو أُشغل بأمور لا تمت إلى اللغة العربية بصلة, فإنه يدخل المدرسة لينظر في دورات المياه وصناديق القمامة ونظافة الفصل, وهي أمور مهمة, ولكنها ينبغي أن لا تدخل في صلب عمل موجه اللغة العربية.

نعم.. انشغل الموجهون الآن بأمور كثيرة خارج نطاق المادة العلمية, والتي من المفترض أنه جاء لمتابعتها ولتصحيح وتقويم المعوجّ منها, هذا أمر في غاية الأهمية, ينبغي للمدرسة أن تحسن الإشراف على مدرسيها, وأن يتأكد المدير من أن المدرسين ملتزمون بأداء الدرس بالغة الفصيحة السليمة, وعليه وهو يتقبل من أبنائه الطلبة ومن بناته الطالبات أن لا يقبل منهم إلا اللغة الصحيحة الفصيحة, حتى لو أخطأ التلميذ أو أخطأت الطالبة, فعليه أن يصوب له الخطأ بطريقة لطيفة تربوية لا توقع التلميذ في الحرج, لأنه لو وقع في حرج يمكن أن يتحرج بعد ذلك ولا يتابع النشاط باللغة العربية الفصحى, فالمدرسة مسئولة مسئولية كبيرة إدارةً ومدرسين.
أيضًا وسائل وأجهزة الإعلام عليها دور كبير, برامج كثيرة جدًا يا سيدي تُقدم بالعامية, المسرحيات والمسلسلات تقدم بالعامية, حتى برامج الأطفال تقدم أيضًا بالعامية.

- ولم يتوقف الأمر على مجرد تقديمها بالعامية, وإنما إضافة إلى ذلك السخرية من أهل اللغة العربية.

نعم.. نسمع كثيرًا عبارة "ما تكلمنيش بالنحوي".. هذه المهازل ينبغي أن تتوقف احترامًا وإجلالاً لهذه اللغة, ثم أقول للذين يخشون على أنفسهم وهم يتحدثون الفصحى من سخرية وهمز ولمز المجتمع: والله لا يضيركم أبدًا أن تتحدثوا بها إطلاقًا, هذا الذي يسخر إنما يسخر من نفسه ويهزأ من نفسه, ولو رآنا الناس جادين في استخدام هذه اللغة والتعامل بها مع كل الناس فما هو إلا وقت قليل وسيعترفون لنا بالفضل ويجبرون على التعامل معنا بكل احترام وجدية, وحينها سيكتسب المتحدث بها شكلاً عظيمًا ووجاهة وقيمة, وبالتالي سيكون مسموع الكلمة بين الناس مهابًا بينهم عن طريق استخدامه لهذه اللغة الفصيحة.

- هل كان الاحتلال أو كما يحلو للبعض أن يسميه "الاستعمار", هل كان يقف وراء ذلك المستوى المتدني للغة العربية التي نعيشه الآن في حياتنا؟!

لو نظرنا إلى دور الاستعمار – ونقول الاستعمار حتى نتفاهم بالمصطلح الشائع – فالاستعمار أو المحتل أول هم من همومه أن يسلب المستعمَر أو المحتل شخصيته, وأن يشعره بالانهزام, وأن يتأكد من أنه تابع ذلول مهيأ للاستماع, فاللغة العربية التي هي لغة القرآن ولغة العبادة ولغة الشعائر ولغة العلماء ولغة التعامل مع التراث ولغة التاريخ ولغة الاتصال بالقيم ولغة إحياء معاني التميز, هذه اللغة بكل هذا الزخم تصنع إنسانًا عظيمًا يستعصي على الاحتواء.. إنسانًا له تميزه وله اعتزازه, والمستعمر لا يمكن أن يقوم ويبقى ويستمر في بلد فيه عزة, وعينه الأولى في الأساس على أن يسلبه عزته وكرامته وهويته, وقد أشرت من قبل إلى الكلمة التي قالها العقاد عن اللغة العربية: "الهوية الواقية", فعندما كُسرت الهوية الواقية في الجزائر استطاعوا أن يفرنجوا الجزائر ويحولوا بينها وبين لغتها العربية حتى استعصى على أهل الجزائر أنفسهم كيف يتفاهمون, وفعلوا هذا في المغرب وفعلوه في بلاد كثيرة. أما في بلادنا وبفضل الله كان للأزهر فضل كبير بعد الله تبارك وتعالى على حماية هذه اللغة, والمتدينون والدعاة المصلحون المنتصبون للدفاع عن الدعوة وعن الإسلام همهم الأساسي الدفاع عن هذه اللغة حتى يسلُس لهم أمر الدفاع وأمر الدعوة في المجالات كلها, إذن التآمر على اللغة من أول مخطط "وليام ويلكوكس" في مشروعه الاستعماري الذي دعا إلى تمصير اللغة, وتحويلها إلى اللغة العامية المصرية, ومحاولته المستميتة لكي يحول بين الناس وبين أصول اللغة العربية, والمؤسف أن كثيرين ممن عاصروه صدّقوه وظلوا أن هذا الثعلب الماكر يريد خيرًا للغة العربية وأهلها, حتى بعض العلماء والمتخصصين سقطوا في أحابيله, وقالوا: نبحث عن بديل للغة العربية, ومنهم من قال: نكتبها بالحروف اللاتينية, ومنهم من قال: نختار لغة وسطًا بين العامية والفصحى ونسميها "الفصحمية".

- وللأسف كان بعضهم من الرواد والمتخصصين في مجال اللغة العربية!!

نعم.. في الحقيقة أسماء خطيرة جدًا, يؤسفنا أن يكون رجل بقدر "طه حسين" يقع في مثل هذا الأمر, وإن كنت – للإنصاف – أعلم أن الرجل في أواخر أيامه رجع عن هذا ودافع عن العربية, وآخرون غيره ولا نريد أن نذكر أسماءً, لكن يكفي أن حافظ إبراهيم قام ردًا على هذه الهجمة, وقام غيره, ولأن اللغة تلامس الفطرة, وتلامس العزة, وتلامس الميل القلبي والحب, ولأنها القرآن ولأنها الحديث, كان الناس جميعًا مهيئين لأن ينفعلوا ضد مثل هذه الدعوة ويبطلوها ويوقفوها.

- كيف السبيل إذن للنهوض بهذه اللغة من كبوتها والمحافظة عليها؟!!
لكل لغة حراس عليها.. لكل لغة رجال يدافعون عنها, من رجالنا المخلصين ومن علمائنا الأفاضل الذين جاد بهم الزمان من لدن فجر العربية إلى يومنا هذا, فحافظ إبراهيم في خضم هذه الأزمة التي تحدث الزميل الفاضل عنها ألقى قصيدته المشهورة دفاعًا عن اللغة العربية وفي صدرها يقول:
رجعت لنفسي فاتهمت حصاتي *** وناديت قومي فاحتسبت حياتي
رموني بعقم في الشباب وليتني *** عقمت فلم أجزع لقول عداتي
وَلَدْتُ وَلَمَّا لَمْ أَجِدْ لِعَرَائِسِي *** رِجَالاً وَأَكْفَاءً وَأَدْتُ بَنَاتِي
أنا البحر في أحشائه الدر كامن *** فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي
موقف حافظ إبراهيم موقف فريد, نحن نريد من حراس العربية وعلمائها الأفاضل أن يوجدوا على الساحة, وأن يظهر منهم المختفون وهم كثيرون وهم أفذاذ, يستطيعون أن يكتبوا, وفي أجهزة الإعلام أن ينادوا بأعلى أصواتهم: كيف ننهض بالعربية؟! وينبهون إلى مواطن العلة والداء, ينبغي أن يكون هذا الصوت موجودًا في كل نوافذ الإعلام صباح مساء, لأن الموقف يحتاج إلى ذلك والموقف خطير للغاية, وقد تابعنا في الفترة الأخيرة من يؤكدون في بحوث أن اللغة العربية - وبالذات بين الناشئة - مهددة تهديدًا خطيرًا أن تتوارى عن ألسنة أبنائنا إزاء هذا النشاط اللغوي الأجنبي الذي يستشري يومًا بعد يوم, وبمناسبة ذلك أقول: نحن لسنا ضد اللغة الإنجليزية, نحن في حاجة إليها, والعولمة تفرض علينا ذلك, ولكن ليس على حساب اللغة العربية ولا على حساب التربية الدينية, والتربية الدينية بالمناسبة ينبغي أن يكون لها مجموعها, وأن يضاف إلى المجموع العام للثانوية العامة, هذا أمر مهم للغاية. أيضًا مسألة التعريب للتعليم العلمي التطبيقي, التجربة موجودة في سوريا الشقيقة, ونجحت نجاحًا باهرًا, ففي كليات الطب والهندسة والحاسبات تدرس هذه المواد هناك باللغة العربية. وهناك أمر أود أن أنبه عليه وأن ينتبه الجميع له: ينبغي أن يكون مقرر اللغة العربية موجودًا بكل الكليات لكل طالب جنبًا إلى جنب بجانب التربية الدينية, اللغة العربية ينبغي أن يكون لها وجود واضح في كل مراحل التعليم.. هذه مسألة مهمة. وأضف إليها إن تكرمت علينا إخواننا في وسائل الإعلام, عليهم أن يعيدوا حساباتهم وأن يفسحوا الطريق فقط للقادرين على التحدث وإدارة الحوار وتقديم البرامج باللغة الفصيحة.. هذه المسألة لا تقبل المناقشة. إلى إخواننا كذلك في السلك الدبلوماسي لا تتحدثوا إلا بالفصحى في المؤتمرات العامة, افرضوها فرضًا أينما وليتم وجوهكم.. احرصوا على أن تجعلوها لغة عالمية بكل الوسائل الممكنة وتمسكوا بها, فهي جزء من شخصيتكم وهوية أمتكم التي نعتز بها جميعًا.. ينبغي أن نفيق, وأن نعود إليها, مخلصين لها, حريصين عليها, متمسكين بها؛ لأنها لغة الله يوم القيامة ولغة أهل الجنة في الآخرة.

- لعل هذه الندوة تكون خطوة على طريق الحفاظ على هويتنا المتمثلة في لغتنا العربية..
وفي الختام أتقدم بخالص الشكر إلى ضيفيّ الكريمين والعلمين اللغويين:
- الأستاذ الدكتور حمدي فتوح والي الحاصل على درجة الدكتوراه في الأدب العربي.
- والأستاذ الدكتور أبو الفتوح حسن عقل أستاذ الأدب والنقد بكلية التربية جامعة المنصورة.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

عيد الحب

عيد الحب قصته ، شعائره ، ُحكمه
إبراهيم بن محمد الحقيل


الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد فإن الله سبحانه وتعالى اختار لنا الإسلام دينا كما قال تعالى (إن الدين عند الله الإسلام) (آل عمران: 19) ولن يقبل الله تعالى من أحد دينا سواه كما قال تعالى (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) (آل عمران: 85)وقال النبي صلى الله عليه وسلم (والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار) (رواه مسلم 153). وجميع الأديان الموجودة في هذا العصر سوى دين الإسلام أديان باطلة لا تقرب إلى الله تعالى، بل إنها لا تزيد العبد إلا بعدا منه سبحانه وتعالى بحسب ما فيها من ضلال.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن فئاما من أمته سيتبعون أعداء الله تعالى في بعض شعائرهم وعاداتهم ، وذلك في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم، قلنا يا رسول الله: اليهود والنصارى، قال: فمن؟! ) (أخرجه البخاري في الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لتتبعن سنن من كان قبلكم 8/151 . ومسلم في العلم باب اتباع سنن اليهود والنصارى 4/2054).
وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل مثلا بمثل حذو النعل بالنعل حتى لو كان فيهم من نكح أمه علانية كان في أمتي مثله) أخرجه الحاكم 1/129.
وقد وقع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وانتشر في الأزمنة الأخيرة في كثير من البلاد الإسلامية إذ اتبع كثير من المسلمين أعداء الله تعالى في كثير من عاداتهم وسلوكياتهم وقلدوهم في بعض شعائرهم، واحتفلوا بأعيادهم.
وكان ذلك نتيجة للفتح المادي، والتطور العمراني الذي فتح الله به على البشرية، وكان قصب السبق فيه في الأزمنة المتأخرة للبلاد الغربية النصرانية العلمانية، مما كان سببا في افتتان كثير من المسلمين بذلك لا سيما مع ضعف الديانة في القلوب، وفشو الجهل بأحكام الشريعة بين الناس.
وزاد الأمر سوءا الانفتاح الإعلامي بين كافة الشعوب حتى غدت شعائر الكفار وعاداتهم تنقل مزخرفة مبهرجة بالصوت والصورة الحية من بلادهم إلى بلاد المسلمين عبر الفضائيات والشبكة العالمية -الانترنت- فاغتر بزخرفها كثير من المسلمين.
وفي السنوات الأخيرة انتشرت ظاهرة بين كثير من شباب المسلمين -ذكورا وإناثا- لا تبشر بخير، تمثلت في تقليدهم للنصارى في الاحتفال بعيد الحب. مما كان داعيا لأولي العلم والدعوة أن يبينوا شريعة الله تعالى في ذلك. نصيحة لله ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم حتى يكون المسلم على بينة من أمره ولئلا يقع فيما يخل بعقيدته التي أنعم الله بها عليه.
وهذا عرض مختصر لأصل هذا العيد ونشأته والمقصود منه، وما يجب على المسلم تجاهه.
قصة عيد الحب
يعتبر عيد الحب من أعياد الرومان الوثنيين، إذ كانت الوثنية سائدة عند الرومان قبل ما يزيد على سبعة عشر قرنا. وهو تعبير في المفهوم الوثني الروماني عن الحب الإلهي.
ولهذا العيد الوثني أساطير استمرت عند الرومان، وعند ورثتهم من النصارى، ومن أشهر هذه الأساطير: أن الرومان كانوا يعتقدون أن (رومليوس) مؤسس مدينة (روما) أرضعته ذات يوم ذئبة فأمدته بالقوة ورجاحة الفكر.
فكان الرومان يحتفلون بهذه الحادثة في منتصف شهر فبراير من كل عام احتفالا كبيرا وكان من مراسيمه أن يذبح فيه كلب وعنزة، ويدهن شابان مفتولا العضلات جسميهما بدم الكلب والعنزة، ثم يغسلان الدم باللبن، وبعد ذلك يسير موكب عظيم يكون الشابان في مقدمته يطوف الطرقات. ومع الشابين قطعتان من الجلد يلطخان بهما كل من صادفهما، وكان النساء الروميات يتعرضن لتلك اللطمات مرحبات، لاعتقادهن بأنها تمنع العقم وتشفيه.
علاقة القديس فالنتين بهذا العيد:
(القديس فالنتين) اسم التصق باثنين من قدامى ضحايا الكنيسة النصرانية قيل: انهما اثنان، وقيل: بل هو واحد توفي في روما إثر تعذيب القائد القوطي (كلوديوس) له حوالي عام 296م. وبنيت كنيسة في روما في المكان الذي توفي فيه عام 350م تخليدا لذكره.
ولما اعتنق الرومان النصرانية ابقوا على الاحتفال بعيد الحب السابق ذكره لكن نقلوه من مفهومه الوثني (الحب الإلهي) إلى مفهوم آخر يعبر عنه بشهداء الحب، ممثلا في القديس فالنتين الداعية إلى الحب والسلام الذي استشهد في سبيل ذلك حسب زعمهم. وسمي أيضا (عيد العشاق) واعتبر (القديس فالنتين) شفيع العشاق وراعيهم.
وكان من اعتقاداتهم الباطلة في هذا العيد أن تكتب أسماء الفتيات اللاتي في سن الزواج في لفافات صغيرة من الورق وتوضع في طبق على منضدة، ويدعى الشبان الذين يرغبون في الزواج ليخرج كل منهم ورقة، فيضع نفسه في خدمة صاحبة الاسم المكتوب لمدة عام يختبر كل منهما خلق الآخر، ثم يتزوجان، أو يعيدان الكرة في العام التالي يوم العيد أيضا.
وقد ثار رجال الدين النصراني على هذا التقليد، واعتبروه مفسدا لأخلاق الشباب والشابات فتم إبطاله في إيطاليا التي كان مشهورا فيها، لأنها مدينة الرومان المقدسة ثم صارت معقلا من معاقل النصارى. ولا يعلم على وجه التحديد متى تم إحياؤه من جديد. فالروايات النصرانية في ذلك مختلفة، لكن تذكر بعض المصادر أن الإنجليز كانوا يحتفلون به منذ القرن الخامس عشر الميلادي. وفي القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين انتشرت في بعض البلاد الغربية محلات تبيع كتبا صغيرة تسمى(كتاب الفالنتين) فيها بعض الأشعار الغرامية ليختار منها من أراد أن يرسل إلى محبوبته بطاقة تهنئة وفيها مقترحات حول كيفية كتابة الرسائل الغرامية والعاطفية.
أسطورة ثانية:
تتلخص هذه الأسطورة في أن الرومان كانوا أيام وثنيتهم يحتفلون بعيد يدعى (عيد لوبركيليا) وهو العيد الوثني المذكور في الأسطورة السابقة، وكانوا يقدمون فيه القرابين لمعبوداتهم من دون الله تعالى، ويعتقدون أن هذه الأوثان تحميهم من السوء، وتحمي مراعيهم من الذئاب.
فلما دخل الرومان في النصرانية بعد ظهورها، وحكم الرومان الإمبراطور الروماني (كلوديوس الثاني) في القرن الثالث الميلادي منع جنوده من الزواج لأن الزواج يشغلهم عن الحروب التي كان يخوضها، فتصدى لهذا القرار (القديس فالنتين) وصار يجري عقود الزواج للجند سرا، فعلم الإمبراطور بذلك فزج به في السجن، وحكم عليه بالإعدام.
أسطورة ثالثة:
تتلخص هذه الأسطورة في أن الإمبراطور المذكور سابقا كان وثنيا وكان (فالنتين) من دعاة النصرانية وحاول الإمبراطور إخراجه منها ليكون على الدين الوثني الروماني، لكنه ثبت على دينه النصراني وأعدم في سبيل ذلك في 14 فبراير عام 270م ليلة العيد الوثني الروماني (لوبركيليا).
فلما دخل الرومان في النصرانية أبقوا على العيد الوثني (لوبركيليا) لكنهم ربطوه بيوم إعدام (فالنتين) إحياء لذكراه، لأنه مات في سبيل الثبات على النصرانية كما في هذه الأسطورة، أو مات في سبيل رعاية المحبين وتزويجهم على ما تقتضيه الأسطورة الثانية.
شعائرهم في هذا العيد:
من أهم شعائرهم فيه:

1- إظهار البهجة والسرور فيه كحالهم في الأعياد المهمة الأخرى.
2- تبادل الورود الحمراء، وذلك تعبيرا عن الحب الذي كان عند الرومان حبا إلهيا وثنيا لمعبوداتهم من دون الله تعالى. وعند النصارى عشقا بين الحبيب ومحبوبته، ولذلك سمي عندهم بعيد العشاق.
3- توزيع بطاقات التهنئة به، وفي بعضها صورة (كيوبيد) وهو طفل له جناحان يحمل قوسا ونشابا. وهو اله الحب عند الأمة الرومانية الوثنية تعالى الله عن إفكهم وشركهم علوا كبيرا.
4- تبادل كلمات الحب والعشق والغرام في بطاقات التهنئة المتبادلة بينهم -عن طريق الشعر أو النثر أو الجمل القصيرة، وفي بعض بطاقات التهنئة صور ضاحكة وأقوال هزلية، وكثيرا ما كان يكتب فيها عبارة (كن فالنتينيا) وهذا يمثل المفهوم النصراني له بعد انتقاله من المفهوم الوثني.
5- تقام في كثير من الأقطار النصرانية حفلات نهارية وسهرات وحفلات مختلطة راقصة، ويرسل كثير منهم هدايا منها: الورود وصناديق الشوكولاته إلى أزواجهم وأصدقائهم ومن يحبونهم.
الغرض من العرض السابق:
ليست الأساطير المعروضة آنفا حول هذا العيد ورمزه (القديس فالنتين) مما يهم العاقل فضلا عن مسلم يوحد الله تعالى، لأن الأساطير الوثنية عند الأمتين الرومانية والنصرانية كثيرة جدا كما هو ظاهر لكل مطلع على كتبهم وتواريخهم، لكن هذا العرض السابق لبعض هذه الأساطير مقصود لبيان حقيقة هذا العيد لمن اغتر به من جهلة المسلمين، فصاروا يحتفلون به تقليدا للأمة الضالة - النصرانية - حتى غدا كثير من المسلمين - مع الأسف - يخلط بين الآلة والأسطورة، والعقل والخرافة، ويأخذ كل ما جاء من الغرب النصراني العلماني ولو كان أسطورة مسطورة في كتبهم، أو خرافة حكاها رهبانهم. وبلغ من جهل بعض من ينتسبون للإسلام أن دعونا إلى لزوم أخذ أساطير النصارى وخرافاتهم ما دمنا قد أخذنا سياراتهم وطياراتهم وصناعاتهم. وهذا من الثمرات السيئة للتغريب والتقليد، الذي لا يميز صاحبه بين ما ينفعه وما يضره. وهو دليل على تعطيل العقل الذي كرم الله به الإنسان على سائر الحيوان، وعلى مخالفة الديانة التي تشرف المسلم بالتزامها والدعوة إليها، كما هو دليل على الذوبان في الآخر - الكافر - والانغماس في مستنقعاته الكفرية، وفقدان الشخصية والاستقلالية، وهو عنوان الهزيمة النفسية، والولع في اتباع الغالب ماديا في خيره وشره وحلوه ومره، وما يمدح من حضارته وما يعاب منها، دون تفريق ولا تمييز، كما ينادي بذلك كثير من العلمانيين المنهزمين مع أنفسهم، الخائنين لأمتهم.
ومن نظر إلى ما سبق عرضه من أساطير حول هذا العيد الوثني يتضح له ما يلي:
أولا: أن أصله عقيدة وثنية عند الرومان، يعبر عنها بالحب الإلهي للوثن الذي عبدوه من دون الله تعالى. فمن احتفل به فهو يحتفل بمناسبة تعظم فيها الأوثان وتعبد من دون من يستحق العبادة وهو الخالق سبحانه وتعالى، الذي حذرنا من الشرك ومن الطرق المفضية إليه فقال تعالى مخاطبا الرسول صلى الله عليه وسلم ( ولقد أوحي إليك والى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين. بل الله فاعبد وكن من الشاكرين) (الزمر: 65 ، 66). وقضى سبحانه بأن من مات على الشرك الأكبر لا يجد ريح الجنة، بل هو مخلد في النار أبدا كما قال الله تعالى( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا)(النساء: 116). وقال الله تعالى على لسان عيسى عليه السلام أنه قال لقومه (انه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار)(المائدة: 72). فالواجب الحذر من الشرك ومما يؤدي إليه.
ثانيا: أن نشأة هذا العيد عند الرومان مرتبطة بأساطير وخرافات لا يقبلها العقل السوي فضلا عن عقل مسلم يؤمن بالله تعالى وبرسله عليهم السلام.
فهل يقبل العقل السوي أن ذئبة أرضعت مؤسس مدينة روما وأمدته بالقوة ورجاحة الفكر، على ما في هذه الأسطورة مما يخالف عقيدة المسلم لأن الذي يمد بالقوة ورجاحة الفكر هو الخالق سبحانه وتعالى وليس لبن ذئبة!!
وكذلك الأسطورة الأخرى التي جاء فيها أن الرومان يقدمون في هذا العيد القرابين لأوثانهم التي يعبدونها من دون الله تعالى اعتقادا منهم أن هذه أوثان ترد السوء عنهم وتحمي مراعيهم من الذئاب. فهذا لا يقبله عقل سوي يعلم أن الأوثان لا تضر ولا تنفع علاوة على ما فيه من الشرك الأكبر.
فكيف يقبل عاقل على نفسه أن يحتفل بعيد ارتبط بهذه الأساطير والخرافات فضلا عن مسلم منَّ الله تعالى عليه بدين كامل وعقيدة صحيحة؟!
ثالثا: أن من الشعائر البشعة لهذا العيد عند الرومان ذبح كلب وعنزة ودهن شابين بدم الكلب والعنزة ثم غسل الدم باللبن…الخ فهذا مما تنفر منه الفطر السوية ولا تقبله العقول الصحيحة.
فكيف يحتفل من رزقه الله تعالى فطرة سوية، وأعطاه عقلا صحيحا، وهداه لدين حق بعيد كانت تمارس فيه هذه الممارسات البشعة؟!
رابعا: أن ارتباط القديس (فالنتين) بهذا العيد ارتباط مختلف فيه وفي سببه وقصته، بل إن بعض المصادر تشكك أصلا في هذا القديس وتعتبره أسطورة لا حقيقة لها. وكان الأجدر بالنصارى رفض هذا العيد الوثني الذي تبعوا فيه الأمة الرومانية الوثنية، لا سيما وأن ارتباطه بقديس من قديسيهم أمر مشكوك فيه!! فإذا عيب ذلك على النصارى الذين بدلوا دينهم وحرفوا كتبهم، فمن الأولى والآكد أن يعاب على المسلم إذا احتفل به. ثم لو ثبت أن هذا العيد كان بمناسبة إعدام القديس فالنتين بسبب ثباته على النصرانية، فما لنا وله، وما علاقة المسلمين بذلك؟!
خامسا: أن رجال الدين النصراني قد ثاروا على ما سببه هذا العيد من إفساد لأخلاق الشباب والشابات فتم إبطاله في إيطاليا معقل النصارى الكاثوليك. ثم أعيد بعد ذلك وانتشر في البلاد الأوربية، ومنها انتقل إلى كثير من بلاد المسلمين. فإذا كان أئمة النصارى قد أنكروه في وقتهم لما سببه من فساد لشعوبهم وهم ضالون فان الواجب على أولي العلم من المسلمين بيان حقيقته، وحكم الاحتفال به، كما يجب على عموم المسلمين إنكاره وعدم قبوله، والإنكار على من احتفل به أو نقله من النصارى إلى المسلمين وأظهره في بلاد الإسلام. وذلك يحتمه واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي بالحق، إذ بيان الباطل وفضحه، والنهي عنه وإنكاره مما يجب على عموم المسلمين كل حسب وسعه وطاقته.
لماذا لا نحتفل بهذا العيد؟!
كثير ممن يحتفلون بهذا العيد من المسلمين لا يؤمنون بالأساطير والخرافات المنسوجة حوله سواء ما كان منها عند الرومان أو ما كان عند النصارى، وأكثر من يحتفلون به من المسلمين لا يعلمون عن هذه الأساطير شيئا، وإنما دفعهم إلى هذا الاحتفال تقليد لغيرهم أو شهوات ينالونها من جراء ذلك.
وقد يقول بعض من يحتفل به من المسلمين: إن الإسلام دعا إلى المحبة والسلام، وعيد الحب مناسبة لنشر المحبة بين المسلمين فما المانع من الاحتفال به؟!
وللإجابة على ذلك أوجه عدة منها:
الوجه الأول: أن الأعياد في الإسلام عبادات تقرب إلى الله تعالى وهي من الشعائر الدينية العظيمة، وليس في الإسلام ما يطلق عليه عيد إلا عيد الجمعة وعيد الفطر وعيد الأضحى. والعبادات توقيفية، فليس لأحد من الناس أن يضع عيداً لم يشرعه الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم. وبناءا عليه فان الاحتفال بعيد الحب أو بغيره من الأعياد المحدثة يعتبر ابتداعا في الدين وزيادة في الشريعة، واستدراكا على الشارع سبحانه وتعالى.
الوجه الثاني: أن الاحتفال بعيد الحب فيه تشبه بالرومان الوثنيين ثم بالنصارى الكتابيين فيما قلدوا فيه الرومان وليس هو من دينهم. وإذا كان يمنع من التشبه بالنصارى فيما هو من دينهم حقيقة إذا لم يكن من ديننا فكيف بما أحدثوه في دينهم وقلدوا فيه عباد الأوثان!!
وعموم التشبه بالكفار - وثنيين كانوا أم كتابيين - محرم سواء كان التشبه بهم في عقائدهم وعباداتهم -وهو أشد خطرا- أم فيما اختصوا به من عباداتهم وأخلاقهم وسلوكياتهم كما قرر ذلك علماء الإسلام استمدادا من الكتاب والسنة واجماع الصحابة رضي الله عنهم :
1- فمن القرآن قول الله تعالى: (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم) (آل عمران 105) وقال تعالى: ( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون) (الحديد 16) فالله تعالى حذر المؤمنين من سلوك مسلك أهل الكتاب - اليهود والنصارى - الذين غيروا دينهم، وحرفوا كتبهم، وابتدعوا ما لم يشرع لهم، وتركوا ما أمرهم الله تعالى به.
2- ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم ( من تشبه بقوم فهو منهم) ( أخرجه أحمد 2/50 وأبو داود 4021) قال شيخ الإسلام: ( هذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم كما في قوله تعالى( ومن يتولهم منكم فانه منهم) (الاقتضاء 1/314) وقال الصنعاني: (فإذا تشبه بالكافر في زي واعتقد أن يكون بذلك مثله كفر، فان لم يعتقد ففيه خلاف بين الفقهاء: منهم من قال: يكفر، وهو ظاهر الحديث، ومنهم من قال: لا يكفر ولكن يؤدب) (سبل السلام 8/248)
3- وأما الإجماع فقد نقل ابن تيمية أنه منعقد على حرمة التشبه بالكفار في أعيادهم في وقت الصحابة رضي الله عنهم، كما نقل ابن القيم إجماع العلماء على ذلك. (انظر الاقتضاء 1/454) وأحكام أهل الذمة (2/722-725)
والتشبه بالكفار فيما هو من دينهم -كعيد الحب- أخطر من التشبه بهم في أزيائهم أو عاداتهم أو سلوكياتهم، لأن دينهم إما مخترع وإما محرف، وما لم يحرف منه فمنسوخ، فلا شيء يقرب إلى الله تعالى فإذا كان الأمر كذلك فان الاحتفال بعيد الحب تشبه بعباد الأوثان -الرومان- في عباداتهم للأوثان، ثم بأهل الكتاب في أسطورة حول قديس عظموه وغلوا فيه. وصرفوا له ما لا يجوز صرفه للبشر بأن جعلوا له عيدا يحتفلون به.
الوجه الثالث: أن المقصود من عيد الحب في هذا الزمن إشاعة المحبة بين الناس كلهم مؤمنهم وكافرهم وهذا مما يخالف دين الإسلام فإن للكافر على المسلم العدل معه، وعدم ظلمه، كما أن له إن لم يكن حربيا ولم يظاهر الحربيين البر من المسلم إن كان ذا رحم عملا بقوله تعالى ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين)(الممتحنة: 8). ولا يلزم من القسط مع الكافر وبره صرف المحبة والمودة له، بل الواجب كراهيته في الله تعالى لتلبسه بالكفر الذي لا يرضاه الله سبحانه كما قال تعالى (ولا يرضى لعباده الكفر)(الزمر: 7).
وقد أوجب الله تعالى عدم مودة الكافر في قوله سبحانه (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم) (المجادلة: 22) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ( فأخبر سبحانه أنه لا يوجد مؤمن يواد كافرًا، فمن واد الكفار فليس بمؤمن، والمشابهة الظاهرة مظنة المودة فتكون محرمة) (الاقتضاء 1/490) وقال أيضا: (المشابهة تورث المودة والمحبة والموالاة في الباطن كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر) (الاقتضاء 1/488).
ولايمكن أن تجتمع محبة الله تعالى ومحبة ما يحبه مع محبة الكفر وأهله في قلب واحد، فمن أحب الله تعالى كره الكفر وأهله.
الوجه الرابع: أن المحبة المقصودة في هذا العيد منذ أن أحياه النصارى هي محبة العشق والغرام خارج إطار الزوجية.
ونتيجتها: انتشار الزنى والفواحش، ولذلك حاربه رجال الدين النصراني في وقت من الأوقات وأبطلوه ثم أعيد مرة أخرى.
وأكثر شباب المسلمين يحتفلون به لأجل الشهوات التي يحققها وليس اعتقادا بخرافات الرومان والنصارى فيه. ولكن ذلك لا ينفي عنهم صفة التشبه بالكفار في شيء من دينهم. وهذا فيه من الخطر على عقيدة المسلم ما فيه، وقد يوصل صاحبه إلي الكفر إذا توافرت شروطه وانتفت موانعه.
ولا يجوز لمسلم أن يبني علاقات غرامية مع امرأة لا تحل له، وذلك بوابة الزنا الذي هو كبيرة من كبائر الذنوب.
فمن احتفل بعيد الحب من شباب المسلمين، وكان قصده تحصيل بعض الشهوات أو إقامة علاقات مع امرأة لا تحل له، فقد قصد كبيرة من كبائر الذنوب، واتخذ وسيلة في الوصول إليها ما يعتبره العلماء كفرا وهو التشبه بالكفار في شعيرة من شعائرهم.
موقف المسلم من عيد الحب
مما سبق عرضه في بيان أهل هذا العيد، وقصته، والمقصود منه فانه يمكن تلخيص ما يجب على المسلم تجاهه في الآتي:
أولاً: عدم الاحتفال به، أو مشاركة المحتفلين به في احتفالهم، أو الحضور معهم لما سبق عرضه من الأدلة الدالة على تحريم الاحتفال بأعياد الكفار. قال الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى: (فإذا كان للنصارى عيد ولليهود عيد كانوا مختصين به فلا يشركهم فيه مسلم كما لا يشاركهم في شرعتهم ولا قبلتهم. أهـ (تشبه الخسيس بأهل الخميس، رسالة منشورة في مجلة الحكمة 4/193)
ثانيا: عدم إعانة الكفار على احتفالهم به بإهداء أو طبع أدوات العيد وشعاراته أو إعارة، لأنه شعيرة من شعائر الكفر، فإعانتهم وإقرارهم عليه إعانة على ظهور الكفر وعلوه وإقرار به. والمسلم يمنعه دينه من إقرار الكفر والاعانة على ظهوره وعلوه. ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (لا يحل للمسلمين أن يتشبهوا بهم في شيء مما يختص بأعيادهم لا من طعام ولا لباس ولا اغتسال ولا إيقاد نيران ولا تبطيل عادة من معيشة أو عبادة أو غير ذلك. ولا يحل فعل وليمة ولا الإهداء ولا البيع بما يستعان به على ذلك لأجل ذلك، ولا تمكين الصبيان ونحوهم من اللعب الذي في الأعياد ولا إظهار الزينة. وبالجملة: ليس لهم أن يخصوا أعيادهم بشيء من شعائرهم، بل يكون يوم عيدهم عند المسلمين كسائر الأيام) (مجموعة الفتاوى 25/329).
وقال ابن التركماني: (فيأثم المسلم بمجالسته لهم وبإعانته لهم بذبح وطبخ وإعارة دابة يركبونها لمواسمهم وأعيادهم.) (اللمع في الحوادث والبدع 2/519-520).
ثالثا: عدم إعانة من احتفل به من المسلمين، بل الواجب الإنكار عليهم، لأن احتفال المسلمين بأعياد الكفار منكر يجب إنكاره. قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: (وكما لا نتشبه بهم في الأعياد، فلا يعان المسلم بهم في ذلك، بل ينهى عن ذلك. فمن صنع دعوة مخالفة للعادة في أعيادهم لم تجب دعوته، ومن أهدى من المسلمين هدية في هذه الأعياد مخالفة للعادة في سائر الأوقات غير هذا العيد لم تقبل هديته خصوصا إن كانت الهدية مما يستعان بها على التشبه بهم كما ذكرناه، ولا يبيع المسلم ما يستعين به المسلمون على مشابهتهم في العيد من الطعام واللباس ونحو ذلك، لأن في ذلك إعانة على المنكر) (الاقتضاء 2/519-520).
وبناءا على ما قرره شيخ الإسلام فانه لا يجوز للتجار المسلمين أن يتاجروا بهدايا عيد الحب من لباس معين أو ورود حمراء أو غير ذلك، لأن المتاجرة بها إعانة على المنكر الذي لا يرضاه الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم.
كما لا يحل لمن أهديت له هدية هذا العيد أن يقبلها لأن في قبولها إقرار لهذا العيد.
رابعا: عدم تبادل التهاني بعيد الحب، لأنه ليس عيدًا للمسلمين. وإذا هنئ المسلم به فلا يرد التهنئة. قال ابن القيم رحم الله تعالى: (وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم عند الله وأشد مقتا من التهنئة بشرب الخمر، وقتل النفس، وارتكاب الفرج الحرام ونحوه. وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك وهو لا يدري قبح ما فعل، فمن هنأ عبدا بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه) (أحكام أهل الذمة 1/441-442).
خامسا: توضيح حقيقة هذا العيد وأمثاله من أعياد الكفار لمن اغتر بها من المسلمين، وبيان ضرورة تميز المسلم بدينه والمحافظة على عقيدته مما يخل بها، وتذكيره بمخاطر التشبه بالكفار في شعائرهم الدينية كالأعياد أو بعاداتهم وسلوكياتهم، نصحا للأمة وأداءاً لواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي بإقامته صلاح العباد والبلاد، وحلول الخيرات، وارتفاع العقوبات كما قال تعالى (وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون)(هـود: 117).
أسأل الله تعالى أن يحفظ المسلمين من مضلات الفتن وأن يقيهم شرور أنفسهم ومكر أعدائهم انه سميع مجيب. وصلى الله وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.